نبذة عن الجمعيّة:
ستة وعشرون عاماً مضت على تأسيس جمعية المبرات الخيرية التي ولدت من رحم الحرب الأهلية.. هذه الحرب التي كانت تلد في كل يوم أعداداً هائلة من الأيتام، علاوةً على القتل والدمار والتشريد، في وقت لم تكن تتوافر فيه دور أيتام في مناطقنا لإيوائهم وإنقاذهم من براثن الضياع والتيه، ما يعني أن مجتمعنا كان –آنذاك- أمام مشكلة قد تتحوّل إلى كارثة إنسانية واجتماعية كبيرة..
إزاء هذا الواقع وانطلاقاً من المسؤولية الشرعية كانت مبرة الإمام الخوئي وبدأت جمعية المبرات الخيرية، ولم تكن المبرة سوى مبنى استؤجر يومذاك ليؤوي ١٦٠ يتيماً، فكانت هذه هي المرحلة الأولى في تاريخ المبرات والتي حمل همّها ومسؤوليتها سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله). ومنذ العام ١٩٧٨ وبجهوده المباركة استكملت أبنية مبرة الإمام الخوئي في الدوحة التي انتقل إليها الأيتام عام ١٩٨٣.
وكانت المرحلة الثانية (١٩٨٤-١٩٨٨)، في هذه المرحلة تطوّر العمل الرعائي من مجرد إيواء واحتضان للأيتام إلى رعاية شمولية قائمة على تخصص وإشراف مدروسين ومتابعة لكل التفاصيل الرعائية والتعليمية والإجتماعية، وتحوّلت الرعاية من رعاية فردية إلى رعاية أسرية بمعنى أن الأطفال توزّعوا في المبرة إلى أُسر (ضمن نظام مستحدث) ترعاهم مشرفة رعائية أو مشرف رعائي حسب أعمارهم وعلى هذه الأسس أنشئت وقامت في ما بعد كل المؤسسات التي تحتضن الأيتام، وفي كل عام كانت التجربة تتعزّز وتتطوّر وتنمو بفعل البحث الدائم عن أفضل وأنجع الأساليب والطرائق التربوية..
إلى ذلك وخلال هذه المرحلة وبالموازاة مع تطوير العمل الرعائي عملت الجمعية ولأسباب وجيهة متعددة -تتعلّق برعاية الأيتام وحاجة المجتمع- على وضع أسس وقواعد علمية متطورة للإنطلاق بفاعلية في إنشاء مؤسسات تعليمية بمستويات متميزة.
ومع نهاية هذه المرحلة احتضنت الجمعية في حناياها أول مجموعة من المكفوفين لترعى شؤونهم في مؤسسة الإمام الهادي(ع) للمكفوفين رغم عدم وجود المختصين آنذاك، ونمت هذه التجربة وتأصّلت وتجذّرت وتشعّبت إلى اختصاصات رعائية أخرى لذوي الإحتياجات الخاصة في مدرسة الصم (١٩٩٤) ومدرسة للإعاقة اللغوية (٢٠٠٣)، وخلال هذه المرحلة بدأ بناء مبرة الإمام زين العابدين(ع) ومدرسة الإمام الباقر(ع) وافتتحت المدرسة أولى المؤسسات التعليمية لغير الأيتام في تشرين الأول-أكتوبر ١٩٨٨، وترافق تنفيذ هذا البناء مع تأسيس مكتب هندسي يتابع كل مشاريع الجمعية اللاحقة دراسات وتنفيذ.. وبعد ذلك كانت المرحلة الأهم في تاريخ المبرات والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة "الإنتشار المؤسساتي الواسع" حيث شرعت الجمعية وبمبادرات أهل الخير الذين منحوا ثقتهم لسماحة السيد (دام ظله) ببناء المؤسسات المتنوعة في العديد من المناطق اللبنانية لملء الفراغات الكبيرة في المناطق الأكثر حرماناً وحاجةً، وقد تنوّعت المؤسسات بين تعليمية في مدارس المبرات ورعائية للأقسام الداخلية في المبرات (للبنات والبنين) .. ومهنية (للتعليم والتأهيل) ومؤسسات إعاقة.. وصحية (مستشفيات ومستوصفات) ورسالية (مساجد ومراكز ثقافية..) وهيئات مساندة (هيئة نسائية وكشافة.. ومتخرجين.. ومجالس أصدقاء..) وإنتاجية.. ونادي للمبرة..
إن مؤسسات الجمعية المختلفة حقّقت بعضها نجاحات باهرة على أكثر من صعيد، إن على المستوى الأكاديمي بتطبيق المناهج الجديدة بجدية وامتياز وأصبحت مدارس المبرات تستشار في المركز التربوي للبحوث والإنماء ووزارة التربية.. وبعض المنظمات الدولية كاليونسكو واليونسيف.. أو بتخريج أوائل في الإمتحانات الرسمية خاصة على صعيد البقاع وبيروت ولبنان.. وتميّز على صعيد النشاطات الفنية والمسرحية واليدوية والعلمية من خلال الجوائز التي تحصد على المستوى المحلي والإقليمي والدولي أحياناً، مشيرين إلى أن التدريب المستمر ميزة في مدارس المبرات عبر دار الصادق(ع) وهي مركز للتدريب والتأهيل تابع للجمعيّة، يضاف إلى ذلك تدريب في مختلف الدورات التي تعدّها جامعات أو مراكز تدريبية تلبّي الحاجات المطلوبة..
وأما النجاح على المستوى الرعائي فاحترام الإنسان وحاجاته واضح من خلال التقديمات الحياتية، وإن البرنامج التربوي وتطوّره وإعادة النظر فيه في كل عام على ضوء الأداء والنتائج يحقق الكثير على صعيد بناء الشخصية..
وفي جانب الإعاقة فإن مدارس النور للمكفوفين والرجاء للصم والبيان للإعاقة اللغوية إضافة إلى الأقسام الداخلية في مؤسسة الإمام الهادي(ع) أبرزت الكثير من المواهب الخلاّقة إن على صعيد التعليم وصورته في امتحان الشهادات الرسمية أو الرعائي بأساليب التربية أو النشاطات من خلال الفنون التشكيلية والمسرح والرياضة والجوائز التي تحصد في كل عام هي مؤشر على هذا النجاح.. مشيرين إلى أن تعاون المنظمات الدولية والسفارات دليل على جدية العمل في المؤسسة..
هذا وقد توسّع عمل المؤسسات الإنتاجية من محطة الأيتام إلى محطات أخرى في الجنوب وبيروت والبقاع، ومشروع قرية الساحة التراثية.
وفي سياق التوجهات الرسالية كانت للهيئة النسائية نشاطات تتعلّق بدورات قرآنية للأولاد ومحاضرات صباحية دورية للنساء.. كما كان معهد إقرأ للعلوم الإسلامية والذي ينظم دورات في الثقافة الإسلامية.. إضافة إلى افتتاح مكتبة سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله العامة.
كما كان لكشافة المبرات نشاطاتها في المؤسسات وخارجها...
ونادي المبرة الرياضي حقّق اختراقات جيدة في عالم النوادي العريقة.
وما زالت المشاريع الجديدة إكمال مبرة النبي إبراهيم(ع) في الخيام (جنوب لبنان) ومهنية البتول في جويا (جنوب لبنان) ومدرسة جبيل (شمال لبنان)، وفكرة إنشاء مبرة في بنت جبيل إضافة إلى استكمال بناء مجمع الرحمة ومجمع عيسى بن مريم وثانوية الإشراق وثانوية البشائر.
نسأل الله العلي القدير أن يتقبل أعمالنا ويغفر لنا خطايانا ويمنحنا القوة والعزيمة لنكمل هذه المسيرة المباركة مستلهمين فكر وخطوات المؤسس دام ظله الذي يؤكّد في توجيهاته قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) متوكّلين على الله هو حسبنا ونعم الوكيل..
الأهداف:
بناء الإنسان هو الهدف الأسمى الذي تطلّع إليه العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، فرفع شعار البر وهو يضع الحجر الأساس في تشييد صروح الخير والعطاء، واشتقّ منه عنواناً لمسيرتها، فكانت جمعية المبرات الخيرية.
وإذا كان جُلّ اهتمام الجمعية قد تركّز على الأيتام، إلا أن ذلك لم يمنعها من الانطلاق في مجالات أخرى كان للبر فيها نداء، وللإنسان معها لقاء وقضيّة.
وانطلاقاً من شعارها الكبير كانت أهداف جمعية المبرات الخيرية تسطّرها مشيئة الله كالآتي:
• تشييد صروح للأيتام توفّر لهم البيت الآمن، والتربية الهادفة، تتابعهم في كل مراحلهم العمرية بكل ما يحتاجونه ليكونوا جزءاً متكيّفاً مع المجتمع، ومساهماً في مسيرة البناء للإنسان والحياة.
• بناء مدارس للتعليم الأكاديمي ومعاهد فنية وتقنية وإقامة جامعات، وذلك وفق أحدث البرامج التربوية والتعليمية، واستخدام أكثر التقنيات العلمية تطوراً، في مختلف مراحل التعليم، الابتدائي والمتوسط والثانوي وحتى الجامعي.
• إنشاء مراكز تأهيل لكل الذين أعاقتهم ظروف الحياة جسدياً أو عقلياً أو نفسياً، أو أقعدهم كبر السنّ والعجز عن القيام بوظائفهم الحياتية، وذلك تحقيقاً لسلامة المجتمع واستقراره.
• تأمين المواكبة الفعّالة للتطوّرات العلمية في البرامج التعليمية ومناهجها عن طريق إنشاء مراكز إعداد المعلّمين والمعلّمات والبحوث العلمية والتربوية، بما ينعكس اكتفاءً ذاتياً في تطوّر الأداء التربوي والعطاء التعليمي في كل مسيرة الجمعية.
• نشر الوعي والثقافة الرسالية في المجتمع بإقامة الندوات والنشاطات والدورات، وإنشاء المكتبات العامة ومراكز الدراسات الإسلامية والبحوث بشتى أنواعها، وإصدار النشرات الثقافية والاجتماعية والتربوية.
• تأمين الصحة الجسدية للإنسان، عن طريق إنشاء المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية والمختبرات ومراكز تصنيع الأدوية والمستحضرات الطبية العامة.
• تشييد دور العبادة التي تحقّق توازن الفرد في علاقته بربّه، العلاقة التي تفيض برّاً بالناس، واحتراماً لإنسانيّتهم، ورفقاً بظروفهم وحاجاتهم.
• تقديم الخدمات المميّزة لجميع طبقات المجتمع ذات الحاجات الملحّة والحالات الصعبة، انطلاقاً من رسالة البرّ والعطاء التي حملتها ونالت شرف التزامها.
وإذا كانت جمعية المبرّات الخيرية قد استطاعت رفد مسيرة الأمة، وسدّ بعض حاجاتها عن طريق إقامة جملة من المؤسسات النموذجية، من تربوية وصحّية وثقافية وخدماتية وعبادية، وذلك من خلال عطاءات الخيّرين من أبناء هذه الأمة المباركة، فإن سدّ احتياجات أخرى رهنٌ بتوفّر الظروف الملائمة للانطلاق بمشاريع بنّاءه هي من الأمة وإليها.