من الواضح الجلي الذي لا يماري فيه أحد من أهل العلم وغيرهم أن النجف الأشرف مثوى باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مولانا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي حاضرة العلم الأولى وكعبة أنظار المسلمين عامة وطلبة العلوم الدينية خاصة, وهي من المدن المقدسة العريقة في نشر العلوم وبث المعارف ومنها تخرج العلماء والمفكرون والأدباء والمتخصصون في المعارف الإنسانية جميعها وقد ملؤوا أسماع الدنيا وحازوا أعلى مراتب العلم, وخلفوا لنا من آثارهم النفيسة ومصنفاتهم البارعة في كل فن مالا عين رأت ولا أذن سمعت, لاسيما في الفقه والأصول
تأريخ التأسيس
كانت النواة الأولى للتأسيس في سنة ١٤١٣هـ - ١٩٩٣م وفي ظروف صعبة وقاسية في ظل النظام البائد الذي كان عدواً لدوداً للعلم والعلماءففي خضم تلك الصعوبات ووعورة هاتيك المسالك تم إنشاء قسم المخطوطات إلى جنب مكتبة كاشف الغطاء, وكان العمل بادىء ذي بدء مقتصراً على حفظ صور المخطوطات على جهاز الحاسوب وإعداد برنامج عرض خاص بها على الرغم من قلة الخبرات المتوفرة في ذلك الوقت.استمرت هذه المؤسسة بالعمل في سحب المخطوطات الخاصة بمكتبة كاشف الغطاء وبعد ذلك توسع عملها فشمل سحب مخطوطات المكتبات التي تفضلت مشكورة بالتعاون مع المؤسسة, ومن ثم مخطوطات مكتبات الأسر العلمية النجفية وغيرها.وكان العمل مقتصراً على مجرد سحب صور لصفحات المخطوطات وإدخالها على جهاز الحاسوب.وحتى عام ١٤١٥هـ - ١٩٩٥م تطورت برامج الحاسوب إذ صدر برنامج (windows
٩٥)فاغتنمت المؤسسة هذه الفرصة العلمية لإصدار القرص الأول سنة ١٤١٥هـ - ١٩٩٥م وهو يضم (٤٩) مخطوطة ببرنامج عرض خاص بالمؤسسة.واستمرت عملية التطور والإبداع ولم تكتف المؤسسة بهذا القدر من العطاء بل باشرت بإعداد برامج دينية تعمل على الحاسوب فأصدرت قرصاً خاصاً بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وآخر للإمام الحسين (عليه السلام وقرصاً ثالثاً للإمام السجاد (عليه السلام) وقرص الأبرار الذي يحتوي على حياة كل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام.
وفي عام ١٤١٧هـ - ١٩٩٧م بدأت طباعة بعض المخطوطات وتم إخراجها للنور مما تيسر من المخطوطات العائدة لعلماء أسرة آل كاشف الغطاء وبعض الكتب المنهجية في حوزة النجف الأشرف العلمية وتوزيعها على طلبة الحوزة العلمية الدينية والباحثين والمحققين مجاناً. وكان هذا العمل هو النواة الأولى لقسم التحقيق وقسم الطباعة والنشر.واستمر العمل الدائب حتى عام ١٤٢٠هـ - ٢٠٠٠م حيث بلغ عدد المخطوطات المصورة أكثر من مخطوطة مخزونة على (٤٤) قرصاً ليزرياً, وعدد الكتب التي طبعت ووزعت (١٢٨٠)تقريبا(٤٠)كتاباً.
أما مجموع الكتب التي نضدت فقط على برنامج (word) فقد بلغ (١١٠) كتاب, وهذه الكتب جميعها تم إدخالها على قرص ليزري وزع مجاناً على كثير من الطلبة والباحثين والمحققين.وفي منتصف عام ١٤٢٠هـ - ٢٠٠٠م بلغ طغيان الحكام أشده، وبادر عدو العلم والدين مستعيناً بعقارب الحقد والبغي إلى طمس آثار العلم والعلماء من خلال مصادرة هذه المؤسسة وإتلاف ما تحتويه من نفائس المخطوطات ونوادر الكنوز الفكرية، فإنه عندما أحاط خُبراً بعمل المؤسسة وما تقوم به من أنشطة أرسل جلاوزته ليعتقلوا أمينها العام وبعض مساعديه ثم صادروا الأجهزة والحاسبات وآلات التصوير والأقراص الليزرية والعديد من المايكروفيلم لمئات المخطوطات المحفوظة عليها.وبعد عام من السبات المفروض قهراً استعادت المؤسسة عافيتها لتجدد العهد والمضي قدماً لتحقيق الغاية المنشودة وبصورة سرية أيضاً ثم شرعت بالإعداد لبدء العمل وإن رافقته صعوبات ذللها التوكل على الله فكانت النتيجة أن بلغ عدد الأقراص الليزرية (٦٢) قرصاً تحمل قرابة (١٦١٧) مخطوطة. واستمرت أيضا عملية طباعة ما تيسر وتوزيعه والتحقيق لبعض المخطوطات وإدخال الكثير من الكتب على برنامج طلبة الحوزة العلمية والباحثين والمحققين أيضاً.
ومن نعم الله عز وجل أن أهلك فرعون وجنوده وكانوا هم الأخسرين فجرى العمل على نطاق واسع واستُحْدِثَت أقسام أُخَر إلى المؤسسة فأصبحت المؤسسة تضم الأقسام الآتية: (قسم الذخائر للمخطوطات، وقسم الوثائق والأرشفة، وقسم التحقيق، وقسم الطباعة والنشر، وقسم المكتبة العامة، قسم الانترنت، وقسم البرامج الدينية، وقسم التبليغ الاسلامي، وقسم الأوقاف التابعة للمؤسسة، وقسم المؤتمرات والندوات، وقسم التجليد وترميم المخطوطات، وقسم المساعدات الخيرية
وقد كانت المؤسسة تُعْرَف باسم مؤسسة الذخائر نظراً لكونه أول أقسامها, إلاّ أنه بعد تعدد الاقسام وتوسع العمل استبدل الاسم الى (مؤسسة كاشف الغطاء العامة) وأحد أقسامها قسم الذخائر للمخطوطات.
أقسام المؤسسة
أصبح للمؤسسة أقسام ومراكز علمية تقدم خدماتها لطلبة العلوم الحوزوية والأكاديمية والمجتمع بصورة عامة وسنذكر موجزاً عن كل قسم من أقسام المؤسسة التي تم افتتاحها الى هذا الوقت وهي كما يأتي:
قسم الذخائر للمخطوطات
ذكرنا فيما سبق أن هذا القسم من الأقسام الأولى التي أنشئت في بداية إقامة المؤسسة, والهدف الذي يصبو إليه العاملون في هذا القسم هو جمع ما أمكن الحصول عليه من المخطوطات والحفاظ على هذا التراث العلمي ونشره وتوزيعه مجاناً, الذي هو من حصيلة جهود الأفذاذ والنوابغ من ثمار قرائح علمائنا الأعلام في مختلف فنون المعرفة, علماً أن هذه الكنوز بقيت محجوبة في بيوت العلماء وأسرهم ولم يخرج منها إلا النزر القليل, وما زالت تلك اللآلئ مركونة على الرفوف ومخزونة في السراديب تنتظر من يخرجها إلى النور وينشرها على الملأ ويزيل عنها ركام الزمن وغبار الأيام.وبالطبع كانت هناك جملة أمور ساعدت على عدم نشر ذلك التراث وإبقائه مستوراً في البيوت بعيداً عن النشر منها الظرف العام متمثلا بالسلطة المبادة التي سعت سعياً حثيثاً إلى طمس هذه الكنوز ودفنها ومحو آثارها فذهب الكثير من آثار علمائنا أيدي سبأ.ونضاف إلى ذلك أنّ بعض المكتبات والشخصيات التي تمتلك المخطوطات امتنعت عن نشر ذلك التراث العلمي وأصرت على بقاء مخطوطاتها في الحفظ وأن لا ترى النور أبداً، وقسم أصبح يتاجر بها .ولا ننسى أن عملية النشر والطبع تستلزم الكثير من الإمكانيات المادية وغيرها في ذلك الوقت مما ساهم في بقاء تلك المخطوطات مطمورة في الزوايا والرفوف.