تؤمن مؤسسة عبد المحسن القطان بأنّ التنمية الحقيقية للإنسان تستوجب الصبر والمثابرة والعناية المستمرة، إلى حين طرح ثمارها
لذلك تسعى المؤسسة، من خلال عملها في فلسطين والخارج، إلى استثمار طاقاتها وجهودها في الإنسان، وفي توفير الدفيئة الثقافية الضرورية له لبناء كيانه الحضاري على أسس أكثر متانة وانفتاحاً، تؤهله للمساهمة الفعالة والمستديمة في الفعل الإنساني- بمستوياته كافة
من هو عبد المحسن القطَّان
ولِد عبد المحسن القطّان في مدينة يافا في ٥ تشرين الثاني ١٩٢٩حيث عمل والده حسن في تجارة البرتقال المزدهرة. والدته هي أسماء خضر، وأصلها من مدينة اللّد لكنها من أبوين مصريين استقرا في فلسطين بعد الفرار من مخيّمات العمل الاستعماريّة التي أنشئت لبناء قناة السويس في نهاية القرن التاسع عشر
كان والد عبد المحسن أميّا، لكنه على الرغم من ذلك أدرك وزوجته أسماء (والتي كانت متعلّمة جزئيّا) أهميّة التعليم الرسميّ لأطفالهما خلال السنين الصعبة التي توسطت الحربين العالميتين حين واجه المجتمع الفلسطيني التقليديّ المعزول نسبيّا متطلّبات القرن العشرين القاسية مع بدء حكم الانتداب البريطاني وزيادة الهجرة الصهيونيّة إلى البلاد
التحق عبد المحسن بادئ الأمر بالمدرسة الأيوبية في يافا، وحين بلغ الخامسة عشرة من عمره، دخل الكلية العربية في القدس التي كان يديرها أحد كبار المربيين الفلسطينيين آنذاك ، خليل السكاكيني. إزدهر الشاب في تلك البيئة العلمانية والقومية مُبدياً اهتماماً كبيراً بالشعر والتاريخ العربي والإسلامي
وقد استمر عبد المحسن في إعجابه بمدير مدرسته حتى بعد وفاة السكاكيني العام ١٩٥٥
في نهاية الحرب العالمية الثانية، وخلال فترة إقامته في القدس، تم استدعاء عبد المحسن إلى يافا من أجل وداع والده الذي كان على فراش الموت، نتيجة تعرضه لجلطة في الدماغ
وفي العام ١٩٤٧، التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، حيث بدأ في دراسة العلوم السياسية والاقتصاد، ولكنه لم يدرك وهو يودع عائلته الثكلى أن زيارته تلك إلى يافا لن تتكرر قبل مضي واحد وخمسين عاماً
حين اشتد الهجوم الصهيوني على يافا في آذار العام ١٩٤٨، غادرت أسماء المدينة مع عائلتها إلى مدينة اللد المجاورة، حيث عاش أخوتها
بعد ذلك بقليل عاد عبد المحسن الذي كان يجهل مصير عائلته إلى فلسطين، واستطاع الوصول إلى اللد، لكن العائلة في هذه الأثناء كانت قد رحلت مجدداً، هذه المرة إلى الأردن
هناك، اجتمع شمل العائلة أخيراً في أوائل العام ١٩٤٩ لكن وضعها كان معدماً, وواجه الطالب الشاب تحدياً لإعالة والدته وإخوانه، فعاد إلى بيروت حيث توقف عن دراسة السياسة والاقتصاد مفضلاً دراسة إدارة الأعمال المجدية أكثر مادياً وهو قرار لطالما ندم عليه
لدى تخرجه العام ١٩٥١، عاد عبد المحسن إلى الأردن، حيث عمل مدرساً في الكلية الإسلامية في عمَّان، لكن تورطه في السياسة البعثية جعله هدفاً للاستخبارات الأردنية، وراتبه المتواضع كان بالكاد يغطي نفقات العائلة الكبيرة
حينئذٍ اقترحت والدته أن يبحث عن عمل في الكويت حديثة الثراء، حيث كان الطلب على أساتذة فلسطينيين عالياً
قَبَِِلَ ذلك متردداً، واتجه نحو الإمارة الصحراوية أواخر العام ١٩٥٣
وبفضل شخصيته القوية، وروحه المرحة، جلب عبد المحسن انتباه رئيس دائرة التربية آنذاك درويش مقدادي مربٍّ فلسطيني متميز آخر وتزوج من ابنته ليلى، التي كانت تعمل مدرسة أيضاً، في العام ١٩٥٤
جاهد الزوجان الشابان في التدريس من أجل إعالة أسرتهما وعائلة عبد المحسن في عمان بالذات. أنجبا طفلتهما الأولى نجوى العام ١٩٥٦، وتبعها هاني العام ١٩٥٨، ولينا العام ١٩٦٠ وعمر العام ١٩٦٤
لكن سرعان ما جعل طموح واستقلالية عبد المحسن يفقد اهتمامه بحقل التدريس، وتم توظيفه من قبل المرحوم الشيخ جابر علي آل صباح مديراً عاماً لوزارة المياه والكهرباء، حيث تم وضع قدراته الإدارية وذاكرته المهولة تحت الاختبار، لكن حتى هذا المنصب ذو الراتب العالي أضجره!! ليؤسس في العام ١٩٦٣ شركة الهاني للإنشاءات والتجارة بعشرة آلاف دينار مما ادخره وبضمان مصرفي من صديقه الكويتي الحاج خالد المطوع الذي أصبح شريكه الرئيسي
وبفضل الطلب الكبير في سوق الكويت النفطية المتنامية، ازدهر العمل بسرعة هائلة، حتى أمست الشركة من أكبر شركات المقاولة في الكويت
وعلى الرغم من حياته المهنية، ظل عبد المحسن نشطاً في السياسة الفلسطينية والعربية. فمثَّل شعبه في زيارات دولية عدة، حيث رافق أحمد الشقيري إلى الصين العام ١٩٦٤، ودعم منظمة التحرير الفلسطينية الناشئة في أول انطلاقها في الكويت
في العام ١٩٦٤، مُنح عبد المحسن الجنسية الكويتية، لكن المدارس في الكويت لم تكن تقدم نوعية التعليم التي أرادها هو وليلى لأولادهما، ففضلت العائلة الانتقال إلى بيروت، حيث مكثت حتى اندلاع الحرب الأهلية سنة ١٩٧٥
وخلال هذه الفترة، قرر عبد المحسن الاستمرار في العمل في كلا البلدين، وكثف اشتراكه في السياسة الفلسطينية. ولدى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة العام ١٩٦٩ تم انتخابه لمنصب الرئيس وهو منصب تخلى عنه بعد أيام قليلة إثر فشل أجنحة المنظمة في الاتفاق على إدارة موحدة لمصادرها العسكرية والمالية، وكانت تلك نهاية اشتراكه المباشر في السياسة، مع أنه ظل عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني حتى استقالته العام ١٩٩٠ إلى جانب صديقيه إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد، احتجاجاً على موقف منظمة التحرير المساند لصدام حسين في أزمة الخليج
في أوائل التسعينيات بعد خضوعه لجراحة في القلب، وبعد انخفاض وتيرة عمل المقاولة في الكويت، حول عبد المحسن جل اهتمامه إلى العمل الخيري
وكان منذ بداية الثمانينيات مشتركاً في العمل الخيري والاجتماعي على مستويات عدة، كأحد مؤسسي مؤسسة التعاون في جنيف، وكمحافظ فلسطين لدى الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
إضافة إلى ذلك، كان هو و ليلى، وبخاصة بعد النجاح المتزايد في عمله، ناشطين في العمل الخيري بشكل غير رسمي، لاسيما في مشاريع تربوية وثقافية
وبعد أن بدا العالم العربي مفلساً على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي في ضوء الاجتياح العراقي للكويت، بدت لهما ضرورة ملحة للاستثمار في الإصلاح التربوي والتنمية الثقافية كوسيلة للخروج من حالة التأزم والتأخر في العالم العربي، لذلك أطلقا في العام ١٩٩٤ مؤسسة عبد المحسن القطَّان في لندن، وقد أصبحت بحلول العام ١٩٩٩ فعالة في فلسطين، من خلال مشاريع عدة ذات طبيعة تربوية وثقافية.
في أيار العام ١٩٩٩، عاد عبد المحسن إلى فلسطين لأول مرة منذ العام ١٩٤٨، حيث زار مسقط رأسه يافا، واستلم شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة بيرزيت. "زرعوا فحصدنا" قال في خطابه مقتبساً ذلك عن خليل السكاكيني "فلنزرع ليحصدون"
أصبحت مؤسسة عبد المحسن القطَّان اليوم إحدى أهم المؤسسات التعليمية والثقافية في العالم العربي، بميزانية سنوية تزيد على ٢,٢ مليون دولار مجمل مصاريفها ممول ذاتياً من قبل صندوق عائلة القطَّان الخيري، وفيها ما يقارب السبعين موظفاً الذين يعملون في رام الله، وغزة، ولندن
والمؤسسة تمثل سابقة في الاستقلالية والشفافية والابتكار في مجالات عدة تدخلت فيها، وقد أنشأت المؤسسة كذلك شبكة واسعة من الشركاء أفراداً ومؤسسات في عدد كبير من الدول على المستويين الشعبي والرسمي
وعلى مدى الأربعين سنة الفائتة، قدم عبد المحسن القطَّان كذلك دعماً لعدد من المؤسسات الأخرى، ومنها: مؤسسة التعاون، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، والجامعة الأمريكية في بيروت، ومركز دراسات الوحدة العربية، وجامعتي بيرزيت والنجاح، ومؤسسة أحمد بهاء الدين في مصر