بحث مدى دستورية بعض القوانين المختارة والمتعارضة مع القانون الدولى لحقوق الإنسان
وتنبع أهمية هذا الأمر من حداثة نشأة المحكمة الدستورية العليا فى مصر وهى المحكمة المختصة بمراقبة مدى تطابق التشريع العادي مع الدستور المصري، فعلى الرغم من أن مصر عرفت العديد من الدساتير إلا أنها لم تعرف الرقابة على دستورية القوانين سوى منذ عام ١٩٦٩ بصدور قانون المحكمة العليا والتي باشرت العمل فعلا فى مايو ١٩٧١ ولو أضفنا إلى ذلك حقيقة أن غالبية التشريعات المصرية صادرة قبل العمل بدستور عام ١٩٧١ الدستور الحالي ومن ثم يرجح احتمال تعارضها مع الدستور الحديث لمجرد هذا الفارق الزمني، ويزداد هذا الاحتمال من تضافر عدة حقائق معا تتمثل فى
أ- أن الجزء الأكبر من التشريعات المصري أصدرته سلطات الاحتلال الأجنبية لضمان استمرار هذا الاحتلال
ب- كما أن الجزء الذى صدر فى ظل سلطات وطنية، إنما صدر فى ظل سيادة مناخ لا يحفل كثيرا بالمبادئ الديمقراطية، ولا يكترث بمعايير حقوق الإنسان
ج- ضعف الحركة السياسية المصرية كنتيجة لما عانته مصر خلال حكم ثورة ١٩٥٢ وتراجع أهمية الحياة الدستورية فى برامج عمل الحركة السياسية بحيث لم يعد الدستور مرجعية أساسية يحتكم إليها لتحديد حقوق المواطن وحرياته
د- تزايد أهمية الدور الذى تلعبه المحكمة الدستورية العليا فى خلخلة البنية التشريعية المصرية، من خلال تبنى المحكمة لمعايير أكثر راديكالية فى تقييم التشريعات، حيث تبنت ومنذ التسعينات ضرورة أن تلتزم التشريعات المصرية التى تنظم ممارسة الحريات العامة للمعايير التى يعتبر التسليم بها مفترضا أوليا فى المجتمعات الديمقراطية وهذا المعيار بالغ الأهمية لهدفنا نحو تطابق التشريع المصري مع القانون الدولى لحقوق الإنسان، لأن القانون الدولى لحقوق الإنسان يعكس الحد الأدنى الذى التقى عليه المجتمع الدولى من خلال المفاوضات والمساومات الدبلوماسية ثم صاغه فى قالب اتفاقية دولية ملزمة تشكل أحد مكونات القانون الدولى لحقوق الإنسان ومن هنا يكون هذا المبدأ هو مدخلنا نحو العمل من أجل تطابق القانون المصري مع القانون الدولى
د- عدم وجود جهة قانونية متخصصة فى مصر تكرس جهدا منظما من أجل العمل على أن يتحول الدستور المصري من مجرد نصوصا على الورق لا قيمة فعلية لها، إلى تطبيق فعال لهذه النصوص يؤثر فى المجتمع من خلال بث الفاعلية فى تلك النصوص عبر ساحات المحاكم عند نظر القضايا، وعبر ساحات الحوار العام عند النقاش حول سن التشريعات الجديدة أو انتقاد التشريعات السارية فعلا
ووفقا للتشريع المصري لا يملك المواطن أن يحرك آلية المراقبة القضائية الدستورية القوانين مباشرة أمام المحكمة الدستورية العليا وإنما يجب أن تكون هناك قضية مطروحة على هيئة قضائية يدفع أمامها بعدم دستورية نصا ما، وعلى هذه الجهة تقيم مدى جدية هذا الدفع، فإذا اقتنعت بجديته صرحت لصاحب الشأن برفع دعوى بهذا أمام المحكمة الدستورية أو أحالت هى مباشرة الدفع إلى المحكمة الدستورية سواء تمت هذه الإحالة بناء على رأى الهيئة القضائية، أو تمت استجابة لطلب أحد الخصوم. واعتاد ممارسو مهنة المحاماة فى مصر إلا يستخدموا أسلوب الدفع بعدم الدستورية إلا كسبيل احتياطي فى الدفاع. لأنه يؤدى إلى إطالة زمن نظر النزاع القضائي (يزداد بقدر سنتين فى المتوسط) وهو من ناحية ثانية مكلف ماليا على المواطن صاحب القضية لارتفاع أتعاب المحامين فالممارسة المهنية وأيضا مطالب الخصوم تستلزم الاختصار فى الوقت والنفقات.
المساهمة فى تعديل القوانين المتعارضة مع القانون الدولى لحقوق الإنسان:
يعد هذا أحد الثمار المتوقعة من تحريك آلية الرقابة القضائية على دستورية القوانين فالنجاح فى الحصول على أحكام بعدم دستورية نصوص بعض مواد قانون ما، يحتم آجلا أم عاجلا على السلطة التشريعية إجراء تعديل تشريعي لوضع نصوص قانونية جديدة محل النصوص التى ألغتها المحكمة الدستورية، ومن الناحية النظرية الواقعية لا يوجد أي ضمان لأن تكون النصوص الجديدة متمشية مع الدستور. ولتحقيق هذه الغاية يلزم تضافر عدة جهود مجتمعية لتشكيل رأى عام مطالب بنصوص أكثر اتفاقا مع الدستور ومن هنا يأتي المساهمة الممكنة للمركز بوصفه متخصصاً فى القانون وهى المساعدة فى بلورة مشروع قانون جديد اكثر اتفاقا مع الدستور وطرحه على الرأي العام.
المساهمة فى إثراء النقاش حول مشاريع القوانين الجديدة
كثيرا ما تصدر التشريعات الجديدة فى عجالة بما لا يتسنى للرأي العام المشاركة فى النقاش حولها كما لا يتسنى للمشتغلين بالقانون المشاركة فى دراستها وطرح وجهة نظرهم، ولا تتوافر لنواب مجلس الشعب خدمة استشارية تساعده - إذا أراد - فى تقديم رؤية نقدية متماسكة واقتراح نصوص بديلة ومن ثم هناك احتياج حقيقي لمركز متخصص يلعب هذا الدور مما يساعد فى إجراء نقاش جاد، ولقد تراكمت خبرة متواضعة للمركز فى هذا الاتجاه خلال مواجهة قانون الجمعيات الجديد ١٥٣/٩٩، حيث لعب المركز فى ثوبه القديم دورا بارزا فى إعداد دراسات تناقش مشروع القانون من حيث المبدأ كما تناقشه مادة مادة وتقدم صياغات بديلة مما انعكس على أداء أعضاء البرلمان من المستقلين والمعارضة، ولا يوجد ما يمنع من تكرار ذلك مستقبلا والمهم هو التحرك المنظم فى هذا الاتجاه
تحريك الرقابة القضائية على مشروعية القرارات الإدارية
تصدر غالبية أوامر سلطات الطوارئ ، كقرارات إدارية، تقبل الطعن فيها أمام مجلس الدولة خلال ستين يوما من نشرها فى جريدة الوقائع المصرية، وحالة الطوارئ أصبحت مزمنة فى مصر، دون جهد قانوني منظم ضدها، كما تصدر اللوائح التنفيذية للقوانين كقرارات إدارية تقبل الطعن أمام مجلس الدولة خلال ستين يوما من نشرها فى جريدة الوقائع المصرية
ويمكن القيام بهذا الأمر من خلال مركز قانوني متخصص يتابع بدقة الجريدة الرسمية وجريدة الوقائع ومضابط مجلس الشعب للطعن فيما يراه متعارضا مع القانون الدولى لحقوق الإنسان والدستور
تقديم خدمة قانونية متميزة وتجمع بين الترضية الفردية وخدمة قطاعات واسعة من المجتمع
انتقاء القضايا التى يتولاها المركز لصالح المضارين من المواطنين وفقا للمعايير الآتية
١-القضايا التى يحتمل أن تثير مسألة مدى دستورية النص القانونى الحاكم لها
٢- القضايا التى تهم الرأي العام المحلى
٣- القضايا التى تتضمن فى طياتها معلومات تصلح كأساس لتبيان عورات القانون الساري أو قصوره عن توفير الحماية القانونية اللازمة لحق من الحقوق العامة بما يشكله هذا من نقطة بدء للعمل من أجل إجراء تعديل تشريعي
ويأتي التميز هنا من محاولة المزج بين القانون المصري المحلى والقانون الدولى لحقوق الإنسان واستخدام القانون الدولى أمام المحاكم المصرية، خاصة وأن الدستور المصري فى المادة ١٥١ منه يجعل الاتفاقية الدولية فى مرتبة القانون الداخلي العادي طالما قد صدق عليها ونشرت فى الجريدة الرسمية، فالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل أمثلة لجزء من القانون الدولى لحقوق الإنسان الذى أصبح جزءاً من القانون المحلى الداخلي ومن ثم يمكن استخدامها مباشرة أمام المحاكم المصرية
المساهمة فى تغيير ذهنية المشتغلين بالقانون والمؤثرات فى الرأي العام
حداثة اهتمام المجتمع المصري بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وحداثة وجود محكمة دستورية تتولى مراقبة تطابق التشريع العادي مع الدستور، وحداثة انتشار الاهتمام بأحكام ومبادئ المحكمة الدستورية منذ ١٩٩٥ أصبح من السهل الحصول على أحكامها لمن يرغب بعد تجمعيها وطباعتها فى مجلدات رخيصة الثمن، وقبل ذلك لم تكن متاحة إلا لرجال القانون المتخصصين بحكم نشرها فى الجريدة الرسمية التى لا يطلع عليها سوى المتخصصين ولنشرها فى مجموعات من المكتب الفني للمحكمة والتي لا تتداول إلا فى أضيق نطاق كل ذلك يستدعى القيام بإجراء بحوث قانونية موجهة خصيصا لهذا القطاع لإشاعة الاهتمام بمعايير حقوق الإنسان كما تبنتها الصكوك الدولية، وأهمية انسجام القوانين المصرية معها وإعداد هذه الدراسات وتداولها على نطاق واسع وإثارة نقاش جاد حولها مهمة تحتاج إلى مركز قانوني متخصص قادر على إجراء الدراسات القانونية المتخصصة العميقة
تبنى زاوية تعامل غير تقليدية مع العمل القانونى والقضائي المصري
ويتمثل هذا فى عدة نواحى
الطعون بعدم الدستورية كطريق منهجي لمواجهة القوانين المتعارضة مع القانون الدولى لحقوق الإنسان
الطعون العادية ضد الأوامر الإدارية كطريقة منهجية ومنتظمة
ومن حيث المضمون الاهتمام باستخدام الاتفاقيات الدولية أمام المحاكم المصرية بطريقة منهاجية ومنتظمة
نقد بعض المفاهيم التقليدية بالاعتماد على مرجعية حقوق الإنسان
تبنى وجهات نظر قانونية جديدة وتناول قانوني جديد للحقوق والحريات العامة، فمثلا فيما يختص بحرية الرأي والتعبير يمكن التركيز على حق القارئ فى المعرفة وليس الاقتصار على حق المؤلف أو الناشر فى التعبير