رســالة مكــتبة الإسكــندرية الجــديدة وأهدافها:
تتلخص رسالة مكتبة الإسكندرية الجديدة في أن تكون:
مركزًا للتميز في إنتاج ونشر المعرفة، ومكانًا للتفاعل بين الشعوب والحضارات
كما ترنو المكتبة، بشكل خاص، لأن تكون:
نافذة العالم على مصر
نافذة مصر على العالم
مؤسسة رائدة في العصر الرقمي، وفوق كل ذلك.
مركزًا للتعلم والتسامح والحوار والتفاهم.
رســـالة مـديــر المكتبـــة
تسعى مكتبة الإسكندرية الجديدة لاستعادة روح الانفتاح والبحث التي ميزت المكتبة القديمة؛ حيث تهدف إلى أن تكون مركزًا للتميز في إنتاج ونشر المعرفة، وملتقى للحوار والتفاهم بين الشعوب والحضارات.
وها نحن نرسم ملامح الأفق الآتي، وغاية مبتغانا أن تحلِّق مكتبة الإسكندرية الجديدة في آفاق المكتبة القديمة، ثم تُجاوزها إلى سماوات أرحب خيالاً، وإبداعًا وتوهُّجًا ثقافيًّا .. لتطبع المكتبة الجديدة آثارها في الواقع، مثلما حفرت المكتبة القديمة آثارها في ذاكرة الإنسانية، ولا تزال حتى يومنا هذا عالقة في أذهان جميع العلماء والمفكرين.
ما من شكٍّ في أن المكتبة القديمة كتبت أعظم فصل في تاريخ مدينة الإسكندرية القديمة. هذه المدينة التي أسَّسها الإسكندر المقدوني قبل ثلاثة وعشرين قرنًا من الزمان، وكانت موطنًا لكليوباترا. إن مدينة الإسكندرية بواقعها المؤجِّج للعبقريات الأدبية والإبداعات العلمية، دوَّنت تاريخها الخلاق الممتد من كاليماخوس إلى لورانس داريل. وها هو ماضي المدينة يخرج علينا من ساحل البحر، حيث تطلُّ مكتبتُنا الجديدة، لتحكي لنا الآثار الغارقة فصلاً بديعًا من تاريخ الإسكندرية ومجدها القديم.
وها هو موقع مبنى مكتبة الإسكندرية الجديدة، وقد أُحيط مبنى المكتبة البديع بجدارٍ جرانيتيٍّ نُقشت عليه أبجديات العالم، يعتبر علامة مميزة على أرض الإسكندرية الجديدة.
وإذا كنا قد أشرنا إلى الماضي العريق لمكتبة الإسكندرية، فلسوف نُلمح إلى سمات المستقبل فيما يأتي .. ولكن قبل ذلك تتعيَّن الإشارة إلى الدور الكبير الذي قام به هؤلاء الذين جَنَّدوا طاقاتهم ووقتهم لإعادة إحياء المكتبة منذ أكثر من ربع قرن. وهو ما سوف نراه على صفحات هذا الموقع، مشتملاً على بيان للجهد الخلاَّق الذي بذل، من منظمة اليونسكو إلى المهندسين والمعماريين والمقاولين، ومن إدارة المشروع إلى عمال المحاجر، ومن جمعيات أصدقاء مكتبة الإسكندرية في العالم إلى الشخصيات البارزة التي عملت في لجانٍ دولية، ومن الإهداءات الكريمة المقدمة من الحكومات.. إلى الإهداءات العديدة التي قدمها أفراد. ولهؤلاء جميعًا أسمى آيات الامتنان على ما قدَّموه، وعلى رأسهم السيدة الفاضلة سوزان مبارك، باعتبارها القوة الدافعة وراء تنفيذ المشروع؛ حيث لم تدخر جهدًا في دعم فكرة إعادة إحياء المكتبة، وقامت برسم مسارها التنموي. وقد عبرت السيدة سوزان مبارك عن رؤيتها المستقبلية، حيث قامت بتبيان الأهداف الأربعة للمكتبة في تجليِّها الجديد .. وهي أن تكون:
• نافذةً لمصر على العالم
• نافذةً للعالم على مصر
• تلبيةً للتحدي الرقمي المعاصر
• مركزًا للحوار الحضاري
إن الطريق نحو الأمام صعب ويشكل تحديًا كبيرًا. وتعمل مكتبة الإسكندرية اليوم على تعزيز وجودها كمركز دولي متميز في المجالات المختارة. وتركز سياسة المكتبة الخاصة بتنمية محتواها على الموضوعات التالية:
أولاً: مكتبة الإسكندرية القديمة ومدينة الإسكندرية ومصر؛
ثانيًا: ثقافات البحر المتوسط والعالم العربي (مع مراعاة التكامل مع الجهود المبذولة في الدول العربية الأخرى والتعاون مع مؤسساتها) وإفريقيا؛
ثالثاً: باقي أنحاء العالم. من ناحية أخرى، تتبنى المعاهد البحثية والإدارات التابعة للمكتبة عددًا من المشروعات والأنشطة التكاملية التي تسهم في تحقيق رسالة المكتبة.
إن السبيل إلى تحقيق ما ترنو إليه المكتبة هو عقد شراكات مع المؤسسات العالمية ذات الخبرة في مجالات العمل الثقافي والمعرفي .. سواء بشكلٍ دائمٍ، أو دوريًّا من خلال المؤتمرات والندوات والمعارض. ولا يقل عن ذلك أهمية تدعيمُ الروابط مع المجتمع المصري والدولي .. ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي تلعبه جمعيات أصدقاء مكتبة الإسكندرية حول العالم والتي يبلغ عددها ٣٤ جمعية.
ومن التحديات التي تواجه مكتبة الإسكندرية اليوم، الاتصال الإلكتروني ببقية العالم. وقد قمنا بالفعل بعقد مجموعة من الاتفاقيات بهدف تعريف مصر والمنطقة بروائع العصر الرقمي، وتقديم ثمار الإبداع والبحث المصري للعالم الرقمي الجديد .. عالم الاتصالات الفورية والنشر الإلكتروني.
ومع الدعم الكبير الذي يلقاه العاملون بمكتبة الإسكندرية من مجلسي الرعاة والأمناء، ومن خلال اتصالهم الدائم بجمعيات أصدقاء المكتبة في مصر وجميع أنحاء العالم، فإن عيونهم ترنو في الزمن الآتي، إلى كيانٍ ثقافيٍّ هائل يليق باسم مكتبة الإسكندرية. وأختتم كلمتي، بهذه الأمنية التي أعلنتها السيدة الفاضلة سوزان مبارك: أن تكون مكتبة الإسكندرية مصدرًا لفخر مصر والعالم.
إسماعيــــل ســــراج الديـن
مديـر مكتبة الإسكندرية
استعادة تراث مكتبة الإسكندرية
أولاً... كان الحلم
مصر .. أرض الفراعنة ... هبة النيل ... تراث مهيب من العظمة والإنجازات ... آثار تتحدى الزمن لتصل إلينا عبر آلاف السنين ...
على هذه الأرض، منذ ٢٣٠٠ عام مضى (وتحديدًا سنة ٣٣١ قبل الميلاد)، جاء الإسكندر الأكبر - تلميذ أرسطو- يحلم بالثقافة والتوسع لتوحيد العالم وبدء عصر جديد. واختار الإسكندر هذا الموقع لإنشاء عاصمته الجديدة: الإسكندرية. وقام البطالمة - خلفاء الإسكندر في مصر - ببناء مدينة الإسكندرية؛ حيث أصبحت عاصمةً للفكر والثقافة في العالم.
يعتبر تاريخ الإسكندرية سجلاًّ للحضارات المتعاقبة بكل ما تحمله الكلمة من تداعيات ثقافية: الفن، والموسيقى، والأدب، والعلوم، والسياسة، وجميع العلوم الإنسانية؛ فقد تطورت الإسكندرية سريعًا منذ نشأتها، حتى أصبحت أعظم مدن العالم وأكبرها تأثيرًا، وظلت كذلك لمدة ألف عام خلال ثلاث حقب تاريخية متعاقبة: البطلمية والرومانية والبيزنطية؛ فأصبحت العاصمة الجديدة لمصر، حيث قُدِّر لها أن تكون مدينة كوزموبوليتانية.
كانت منارة الإسكندرية إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، أما التراث الأعظم فقد تجسَّد في مكتبة الإسكندرية القديمة التي شُيِّدت عام ٢٨٨ قبل الميلاد على يد بطليموس الأول (سوتير)، بتوجيه من ديميتريوس الفاليري؛ وكان معبد ربات الفنون، أو الموسيون (في اللغة اليونانية) يتكون من أكاديمية للعلوم، ومركز للأبحاث، ومكتبة يؤمُّها أعظم مفكري ذلك العصر، كما توافد عليها العلماء والرياضيون والشعراء من كل الحضارات للدراسة وتبادل الأفكار.
وامتلأت أرفف المكتبة بما يقرب من ٧٠٠.٠٠٠ لفافة، أي ما يعادل أكثر من ١٠٠.٠٠٠ كتاب من الكتب الحديثة المطبوعة. وكانت المكتبة تستقبل العلماء من جميع الثقافات. كما كان الفتيان والفتيات يدرسون بانتظام في المكتبة القديمة. فعلى أرض مكتبة الإسكندرية:
كان أريستارخوس أول من قال بأن الأرض تدور حول الشمس، وذلك قبل ١٨٠٠ عام من اكتشاف كوبرنيكوس لهذه الحقيقة.
أثبت إيراتوستينس أن الأرض كروية، وقام بحساب محيط الأرض بدقة مذهلة. كما تحدث عن إمكانية الإبحار حول العالم، وذلك قبل ١٧٠٠ عام من قيام كولومبوس برحلته الشهيرة.
وضع الشاعر اليوناني كاليماخوس أول فهرس للكتب؛ حيث قسم المكتبة تبعًا لموضوعاتها ومؤلفيها، ولذلك أطلق عليه لقب أبو علم المكتبات.
وضع إقليدس مبادئ علم الهندسة، وهي نفسها المبادئ التي تُدرس في المدارس حول العالم حتى يومنا هذا.
حدَّد هيروفيلوس المخ على أنه العضو المتحكم في جسم الإنسان، بادئًا بذلك عصرًا جديدًا في مجال الطب.
تمت الترجمة السبعينية، وهي أول ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى الإغريقية.
سجل مانيثو تاريخ الفراعنة حسب التسلسل الزمني للوقائع وقسم التاريخ إلى أسر، وهو مرجعنا في التقسيم حتى يومنا هذا.
هؤلاء وآخرون كانوا ينتمون لهذا المجتمع الرائع الذي حفل بعلماء رسموا الخرائط الفلكية، ونظَّموا التقويم وأرسوا قواعد العلم، ودفعوا بحدود معارفنا إلى ما لا نهاية؛ بإطلاقهم العنان للعقل الإنساني في تحديات لا حصر لها. كما انفتحوا على ثقافات العالم، ووضعوا أسسًا راسخة للحوار الحقيقي بين مختلف الحضارات، وعزَّزوا قيم التسامح والعقلانية والتفاهم والتعرف إلى ثقافات العالم ومعارفه.
وقد تربَّعت مكتبة الإسكندرية القديمة لمدة تزيد على ستة قرون على عرش العلم والمعرفة. وبقيت حتى يومنا هذا تجسيدًا لأنبل التطلعات الإنسانية وقيم التآلف البشري الخلاَّق وأعظم الإنجازات في مجال الفكر. وقد دُمرت المكتبة تمامًا منذ حوالي ١٦٠٠ عام، ولكنها ما زالت مصدر إلهام للعلماء والأدباء في كل مكان.
اختفت المكتبة تدريجيًّا وعانت من الانهيار البطيء بدءًا من عصر يوليوس قيصر وكليوباترا. وقد حلَّت بها الكارثة الأولى عام ٤٨ قبل الميلاد، عندما امتددت النيران إلى جزءٍ منها عن طريق الخطأ إبان الحرب التي شنَّها يوليوس قيصر في الإسكندرية.
وقد أهدى أنطونيو كليوباترا ٢٠٠.٠٠٠ لفافة تعويضًا لها عن الخسارة الفادحة التي ألـمَّت بالمكتبة. إلا أن الانقلابات المتتالية داخل الإمبراطورية الرومانية أدت إلى ذلك الانحدار التدريجي والدمار الكلي للمكتبة القديمة. وبحلول عام ٤٠٠ من الميلاد كانت المكتبة قد اختفت تمامًا، وانقضى عصر العلماء السكندريين بعد ذلك بسنوات ... ولكن ذكرى المكتبة القديمة ظلت حيةً في الأذهان.