التاريخ :
٢٨/٠٥/٢٠٠٩
أسباب تفوق الصحابة في ضبط الحديث
عنوان البحث: أسباب تفوق الصحابة في ضبط الحديث
الباحث: د.سلطان العكايلة، و د."محمد عيد" الصاحب
ملخص البحث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فإن السنة النبوية تتعرض بين الحين والآخر للطعن فيها والنيل منها، ويتنوع هذا الطعن فيكون تارة موجهاً لنصوص الأحاديث، ويكون تارة أخرى موجهاً للوسائط التي تم بها نقل الأحاديث، وبخاصة الحلقة الأولى في سلسلة الإسناد، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد كان القصد من هذا البحث سد ثغرة يتسلل منها أعداء السنة المطهرة منذ القديم، في محاولة يائسة لزعزعة كيان هذه السنة وانتزاع هيبتها من صدور المسلمين ويبدو أن مسألة إجراء أحكام الجرح والتعديل على أشخاص الصحابة الكرام كانت قديمة، اتخذها خصوم السنة ذريعة لتحقيق أهدافهم تلك، وقد تصدى الحافظ ابن حبان رحمه الله للرد على أولئك الجاحدين، حيث قال: "فإن قال قائل: كيف جرحت من بعد الصحابة، وأبيت ذلك في الصحابة، والسهو والخطأ موجود في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين؟"
فكان جوابه عن هذه الشبهة وردها بالأدلة القوية من الكتاب والسنة، والحجة التي يقتضيها العقل البريء من الزيغ والزغل، غير أنه رحمه الله سرعان ما انتقل بعقل القارئ إلى مسألة عدالة الصحابة، فبقيت الثغرة تحتاج إلى من يسدها بإحكام، خاصة أن التشكيك في ضبط الصحابة أصبح يأخذ في عصرنا هذا بعداً خطيراً
وقد اقتضى الواجب منا في هذا البحث أن نعرف الضبط تعريفاً شاملاً، وأن نبين بجلاء نوعيه: ضبط الصدر، أو ما يعرف بالذاكرة، وضبط الكتاب، وأن نذكر بشيء من التفصيل أسباب تفوق الصحابة في ضبط الحديث، فكان منها أسباب تخصهم دون غيرهم من الرواة، وأسباب أخرى يشتركون فيها مع غيرهم ممن تصدى لرواية الحديث
وقد ميزنا في هذه الأسباب ما كان فيه من اثر واضح لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في إكساب الصحابة الكرام التفوق في هذا المضمار. وفي ثنايا ذلك يلمس القارئ الفرق بين الأسباب العملية لضبط الحديث عند الصحابة، والأسباب المعنوية الأخرى التي خصهم الله عز وجل بها
وكان الوقوف على هذه الأسباب قد أفضى بنا إلى الإقرار الحذر بأن الصحابة رضي الله عنهم قد يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الناس من الخطأ والنسيان، ولكن الله جل وعلا الذي اصطفاهم ليكونوا الواسطة الأولى لنقل الوحي بين الأمة ونبيها المعصوم صلى الله عليه وسلم قد حمى جنابهم، وصان أعراضهم، ويسر لهم من أسباب الضبط في نقل الشريعة ما يتناسب وعظم هذه المسؤولية، الأمر الذي جعل مسألة إجراء قواعد النقاد المتعلقة بضبطهم مسألة لا تأتي إلا بالحاصل الذي يريد المخلصون تحصيله ولعل هذا هو الذي حدا بالحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره من المتقدمين والمتأخرين أن يصنفوا الصحابة الكرام في أول مراتب التعديل
لا شك أن السهو أو الخطأ أو النسيان طبيعة في الإنسان، لا ينفك منها أحد من البشر، ومن أراد إنساناً سالماً من هذا النقص فقد أراد محالاً، والشواهد من الكتاب والسنة وواقع الحياة كثيرة ليس هذا مجال حصرها. غير أنه ينبغي التنبيه إلى أن الضبط في المسائل التشريعية المتعلقة بنقل الوحي كان محروساً بعناية الله وتوفيقه، ولو أن الضبط في هذه المسائل خلا من تلك العناية، لكنا مكلفين بما هو خاضع لطبيعة النسيان والخطأ الملازمة للبشر، ومحال على الله عز شأنه أن يكلفنا بأمر على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يهيئ الوسائل الكفيلة بتبليغه، وإلا فإن الله عز وجل، وحاشاه من ذلك، يكلف الناس ما لا يطيقون، قال تعالى: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها
وقد تم تقسيم البحث بعد المقدمة إلى خمسة مطالب وخاتمة