التاريخ :
٠٨/٠١/٢٠٠٣
بسم الله الرحمن الرحيم
الـمــرأة صانعــة الســلام
"إلى العالم فأنيروه"
طالعتنا صحف اليوم بصوراً للمرأة كأول جنرال في أفغانستان ونساء في العراق في استعراض عسكري ورأينا العقيد القذافي وحرسه النسائي فهل هذا هو دور المرأة حقاً؟ هل هذا هو التمدن والتحرر؟!
تبادرت إلى ذهني لقطات لوالدتي الأستاذة عنايات الحكيم رحمها الله منذ نعومة أظافرها وتطلعها كشابة لرسالة الأم وما عبرت عنه بالرسم في عام ١٩٣٨م فقد خطت بريشتها تصورها لرسالة الأم وهي تخرج للعالم أجيالاً من حاملي الشموع ملخصة رسالة الأم في عنوان "إلى العالم فأنيروه".
لم تكن تلك أحلام وأماني وإنما إرهاصات تحققت بالفعل على مدار الأيام والسنين. فحين تخرجت والدتي رحمها الله وعملت بالتدريس في طنطا أسست جمعية نسائية اسمها "سلسلة نشاط المصرية" وأصدرت ما طالبتها مجلة بعنوان "مرآتنا" لتبعث من خلالها وترسخ قيم التنوير والتحضر والوقار فيهن وحين درست في أسيوط كانت تجمع فتياتها تحت شجرة في الفناء للتحاور معهن وتبلور الأفكار الإيجابية لخدمة المجتمع مثل كتابة رسالة للمحافظ لنقل استخدام أو نشاط مزعج من جوار المدرسة إلى مكان آخر، وقد كلفها كبار المسئولون في وزارة المعارف بتأسيس إدارة تعنى بالفتيات وشئونهم المختلفة أسموها إدارة خدمة الشابات التي كلفت والدتي رحمها الله بوضع خطتها وتأسيسها، وكانت تكتب وتعبر عن فكرها وآمالها للمرأة والإنسان في مجلة الفصول بإشراف المرحوم الأستاذ زكي عبدالقادر، وحين رشحت نفسها في الدفعة الأولى للنساء اللاتي دخلن المعركة الانتخابية عام ١٩٥٩م عند تأسيس الاتحاد القومي خاضت المعركة الانتخابية وفازت بجدارة، واختيرت لعضوية مجلس مدينة الجيزة لمدة اثنتي عشرة عاما متواصلة خدمت فيها وسهرت على راحة المواطنين ومصالحهم، حتى أنها كانت لا تبخل بوقتها وجهدها لتسهر على إعادة رصف شارع مثل شارع عامر بعد انفجار ماسورة مياه أو مجاري فيه، ورفضت أن تستغل موقعها في أي مصلحة شخصية، فعلى سبيل المثال رفضت عرضاً بشراء أراضي في منطقة الهرم وكان سعر المتر حين ذاك أربعة جنيهات ونصف فقط. رفضت ذلك العرض من منطلقين: أولهما عدم استغلال موقعها في مصلحة شخصية، وثانيهما: حرصها على عدم تبوير الأرض الزراعية والإبقاء على الرقعة الخضراء الخصبة. كما أسست الجمعية التعاونية للأم العربية ليس كجمعية استهلاكية وإنما جمعية خدمات وتنمية اجتماعية في حي العمرانية بالجيزة، فقدمت الخدمات المختلفة من حضانة ومشغل ومحاضرات تثقيفية وتوعية أسرية... الخ.
وفي عام ١٩٦٧ أثناء المعارك والغارات الجوية دعت والدتي سكان العمارة التي تسكنها بالجيزة إلى إعداد المخبأ أسفل العمارة وتجهيزه بالحصر وبعد توقف المعارك تحول المخبأ بفضل الله ثم مبادرتها إلى مسجد أطلقت عليه (أسمته) مسجد "الأمان"، وفي عام ١٩٧٣ أثناء معركة العبور دعت نساء حي المنيل لرعاية الأطفال وتقديم الخدمات للجرحى في مستشفى القصر العيني والقيام بدورهن في تدعيم الجبهة الداخلية من خلال لجنة الإغاثة النسائية بالمسجد والتي سجلت في بنك ناصر الاجتماعي بعد الحرب كأول لجنة زكاة نسائية للتنمية الاجتماعية ومازالت تعمل حتى الآن وبفضل الله تفرع عنها العديد من اللجان وعرفت لجنة صلاح الدين على أنها اللجنة الأم.
لقد كانت هذه لمحات من إسهامات والدتي رحمها الله في تحقيق الأمن والسلام الاجتماعي عن طريق التنمية والتنوير والتكافل على صعيد المجتمع المحلي والوطن الأم إلا أن لوالدتي كذلك دور هام في بناء جسور السلام بين الشعوب وإثراء التفاعل الحضاري بين الثقافات المتنوعة على الصعيد العالمي على أساس القيم والمبادئ الأخلاقية المشتركة ولصالح الإنسان في كل مكان، وأذكر أنها حين شاركت في التدريس لأول دفعة من الطالبات يدخلن جامعة الأزهر في معهد الإعداد والتوجيه، وكانت من خلال تدريسها للأدب واللغة الإنجليزية تؤكد عالمية الإسلام ودعوته الخالدة وتركز على أهمية السلوك والتعامل الحسن مذكرة طالباتها بالقول الشهير "My county is the world and my religion is to do good" فما أحوجنا الآن لمثل هذه المرأة صاحبة الرؤية والحماسة والعلم والعمل دون كلل من أجل رفعة الإنسان ونهضة المرأة صانعة الأجيال رحم الله والدتي وجزاها عنا خير الجزاء.
د.م./ ناجية عبدالمغني سعيد
٨/١/٢٠٠٣م
٥ ذو القعدة ١٤٢٣هـ